Block title
Block content

البنية التحتية المهترئة: وجه من أوجه أزمة المدرسة العمومية

Block title
Block content

تتالت الأحداث حول قطاع التعليم في 2025، حيث أعلن الوزير يوم السبت 22 فيفري 12025 عن شروع وزارة التربية في تنفيذ خطّة لتطوير البنية التحتية تستهدف تحسين المدارس والمعاهد بكافة جهات البلاد، تلته جلسة عامة الثلاثاء 18 مارس 22025 في مجلس نواب الشعب للمساءلة حول مدى تقدم بعض مشاريع وبرامج وزارة التربية ومشاغل القطاع التربوي. اخيرا وبعد زيارة ميدانية للقصرين يوم 6 ماي 32025، أعلن الوزير انطلاق برنامج وطني لإعادة تأهيل المدارس في جميع مناطق البلاد.  

رغم تواصل الإعلانات وخطط الإصلاح لا تزال المؤسسات التعليمية تعاني من تدهور البنية التحتية وهو ما يعد من أبرز المظاهر الملموسة لأزمة المؤسسات التربوية العمومية. شكل هذا خطرا حقيقيا على التلاميذ والإطار التربوي وقد تسبب في حوادث مأساوية4 أودت بحياة عدة تلاميذ. 

تدهور البنية التحتية للمدرسة العمومية: غياب المياه الصالحة للشرب والمجموعات الصحية والسّياج 

تبرز البيانات للسنة الدراسية 2024/2023 تدهور البنية التحتية في المدارس الابتدائية العمومية (مجموع 4577) ،حيث أن 1354 مدرسة تفتقر إلى التزويد بالمياه الصالحة للشرب كما أن 839 مدرسة لا تحتوي على مجموعات صحية للمعلمين إضافة إلى توفر بيوت التمريض سوى ب 5% فقط من جملة المدارس العمومية مما يخلق أزمة في توفير الرعاية الصحية اللازمة للتلاميذ5. يهدد الوضع المتدهور للبنية التحتية للمدارس الابتدائية بشكل مباشر صحة التلاميذ والمعلمين إذ كثرت مثلا في القصرين حالات الإصابة بمرض الالتهاب الكبدي الفيروسي صنف "أ" في 2017 في صفوف التلاميذ في المدارس الريفية التي تفتقر إلى الماء الصالح للشرب وتشكو من تقادم وعدم صلاحية مجموعاتها الصحية ومن غياب الشروط الضرورية للنظافة 6. تعاني كذلك 996 مدرسة من نقص في التسييج وغيابه يعرض سلامة التلاميذ للخطر من الخارج. 

نقص التمويل والانفاق من أهم أسباب ااهتراء البنية التحتية للمؤسسات التربوية 

يمثل التمويل من أبرز المشاكل الذي تواجهه المدرسة العمومية حيث تتسم حصة وزارة التربية والتعليم من مجموع نفقات الدولة بالضعف حيث لم تتجاوز نفقات مهمة التربية 13.5%7 سنة 2024، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمعدل العالمي بين 15%- 20% الذي حددته اليونسكو8. في المقابل نسجل ارتفاع نسبة خدمة الدين بالتالي انخفاض المجال المالي المتاح للإنفاق على التعليم والبنية التحتية.  

كما شهدت النفقات الموجهة لميزانية التربية سنة 2025 تطورا بنسبة 1,6% مقارنة بسنة 2024، ولكنه يصبح سلبيا باحتساب التضخم ب 4-% مما يبرز تراجعا فعليا في الموارد المخصصة لمهمة التربية وسياسة التقشف المتبعة9 

إضافة لذلك، يخصص الجزء الأكبر من هذه الميزانية كنفقات تأجير ولا تحظى نفقات الاستثمار سوى ب 8% من ميزانية وزارة التربية في العام 202410. انعكس ذلك في غياب مشاريع تأهيل وصيانة أو تطوير وبذلك تردي أوضاع البنية التحتية للمدارس العمومية. يزداد هذا الواقع تعقيدا في حالة المدارس الابتدائية خاصة وأن ميزانيتها تعتمد على منح تعهد ب 150 دينار سنويًا تقريبا ولا تتمتع بميزانية ملحقة ترتيبيا بميزانية الدولة كغيرها من مؤسسات وتمنع من امكانية تجميع الموارد الذاتية.11  

لا تتوقف أسباب اهتراء البنية التحتية للمؤسسات الابتدائية عند نقص التمويل والانفاق، بل تتجاوز ذلك نحو التعطيلات الإدارية التي تعرقل إنجاز المشاريع خاصة على مستوى الإجراءات المتعلقة بتنفيذ الصفقات العمومية12. 

 لا تزال المخاطر بسبب تردي البنية التحتية محدقة بالتلاميذـ إن استمرار الحوادث التي قد تودي بحياة مزيد من التلاميذ أمر وارد إن لم يجر تغيير التوجه الحكومي الذي يسير باتجاه تقليص نفقات التربية وإهمال الاستثمار لصالح سداد الديون. فمن الضروري تعزيز مكانة التعليم كأولوية وطنية من خلال زيادة وتوجيه الموارد المالية بشكل كافٍ لدعم العملية التربوية ومراجعة قيمة المخصصات المالية الموجهة للمدارس. كذلك، تخصيص ميزانيات لزيادة الاستثمار في البنية التحتية وإعادة تهيئة الفضاءات المدرسية المهترئة نتيجة التقادم الزمني وتوفير المرافق الأساسية. 

كما نلتمس حاجة ملحة الى تنقيح الفصل 35 من القانون عدد 9 لسنة 2008 الذي يتعلق بتنقيح وإتمام القانون التوجيهي عدد 80 لسنة 2002 ليتيح للمدارس الابتدائية المجال للبحث عن مصادر تمويلات إضافية على غرار ما يتيحه للمدارس الإعدادية والثانوية من استقلال مالي. إنما تأتي هذه المطالبات للالتزام باحترام الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الدولة والتي تنص على الحق في التعليم والقضاء على كافة أشكال التمييز ويهدف إلى تعزيز تكافؤ الفرص والمعاملة. كذلك تنص على حق الطفل في الحصول على مياه شرب نظيفة، وطعام صحي، وبيئة آمنة. 

 

1وزارة التربية تنفذ خطّة لتطوير البنية التحتية بهدف تطوير المؤسسات التربوية - (اكسبراس، 23/02/2025) 

2 انطلاق جلسة عامة بالبرلمان لتوجيه أسئلة شفاهية لوزير التربية (اذاعة تطاوين 18/03/2025)

3 خطة وطنية ثلاثية المراحل لترميم المدارس (بزنس نيوز، 06/05/2025)

4 سيدي بوزيد: سقوط جدار بمعهد المزونة يخلف وفايات وجرحى في صفوف التلاميذ  (تاريخ الوصول 23 أفريل 2025) 

5  تقرير الإحصاء المدرسي للسنة الدراسية 2024/2023 

6 القصرين : تسجيل 370 حالة إصابة بالـ'بوصفيرفي 2017 ،(جوهرة فم،28 سبتمبر2017) ، (تاريخ الوصول 23/04/2024) 

7 سحر فضيلة. قانون المالية 2024: بين الخطاب السياسي وواقع السياسات.  المرصد التونسي للاقتصاد

8 تحديد الالتزاماتالمعايير الوطنية للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة لتحويل التعليم (يونسكو،2022) ، ص10 

9 لم تعد مهمة التربية من أولويات السياسات العمومية و تعاني اليوم من التقشف و انعدام الاستثمار | المرصد التونسي للاقتصاد 

10 ibid 

11شهادة لربيع الصالحي، كاتب عام نقابة التعليم الأساسي بفوسانة 

12 الكردي، محمد علىواقع الاستثمار في الجهاتماذا يخبرنا الملحق عدد 11 لقانون المالية 2024 عن تنفيذ الميزانيات المخططة للتنمية في الجهات؟. نشرة اخبارية اقتصادية رقم 56. (المرصد التونسي للاقتصاد، 5 مارس 2024) ، (تاريخ الوصول 2/5/2025)  

 

في نفس السياق 

من الطبقة الوسطى إلى الهامش : الانحدار في الواقع الاقتصادي للمعلم يعكس الأجر المتدني للمعلم نوعا من التمييز

انتهاكات في توفر وجودة البنية التحتية في مدارس القصرين

لم تعد مهمة التربية من أولويات السياسات العمومية و تعاني اليوم من التقشف و انعدام الاستثمار