Block title
Block content

من لوساكا إلى نيويورك: المساعي الإفريقية لإصلاح ضريبي عالمي عادل

Block title
Block content

انعقد في الفترة الممتدة بين 5 و9 ماي، في لوساكا زامبيا، الاجتماع الرابع للجنة الفرعية المعنية بالضرائب والتدفقات المالية غير المشروعة، الذي تنظمه اللجنة الفنية المعنية بالشؤون المالية والنقدية والتخطيط الاقتصادي والتكامل بالاتحاد الأفريقي1. من الأهداف التي سعى هذا الاجتماع لتحقيقها تعزيز فهم البلدان الأعضاء للمسائل المتعلقة بالتعاون الضريبي الدولي وتحسين قدرتهم على التفاوض حولها.       

يتنزل هذا الهدف في سياق المفاوضات حول صياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التعاون الضريبي2،  والتي تم المصادقة على إطارها المرجعي في ديسمبر 2024 3. ستعقد جلسات لجنة التفاوض الحكومية حول الاتفاقية في الأعوام 2025 و2026 و2027 في ثلاث دورات لكل سنة من أجل إعداد نص نهائي للاتفاقية وللبروتكولين المبكرين، تسبقهم جلسة تنظيمية تم عقدها في فيفري الماضي من هذه السنة 4.  

تم خلال الجلسة التنظيمية انتخاب مكتب لجنة التفاوض الحكومية الذي مثُلت فيه القارة الإفريقية بكل من غانا، نيجيريا، كينيا ومصر التي تم انتخابها على رأس المكتب5.  كما فاوضت الدول الأعضاء حول المسائل التنظيمية خاصة ما تعلق بآليات اتخاذ القرار والمسائل الموضوعية تحديدا موضوع البروتكول المبكر الثاني. وبرز خلال الجلسة تباين في المواقف بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب على شاكلة مفاوضات السنة الفارطة حول الإطار المرجعي للاتفاقية67. 

 

 

______________________________________________________________________________________________________________________________

 

دول الجنوب تدافع عن شمولية الاتفاقية  

خلال النقاش حول آلية اتخاذ القرار التي سيتم اعتمادها لتحديد بنود الاتفاقية وبروتكولاتها، دعت البلدان المتقدمة إلى اعتماد آلية اتخاذ قرار تقوم على التوافق مما من شأنه إضعاف القوة العددية لبلدان الجنوب خلال المفاوضات. عارضت بلدان الجنوب وخاصة البلدان الأفريقية هذه الألية وطالبت باعتماد الأغلبية البسيطة بما فيه ضمان لديمقراطية المفاوضات ولشمولية الاتفاقية. 

بعد تشبث كل من الكتلتين بموقفه خلال كامل فترة الدورة التنظيمية، حتى في الجلسات غير الرسمية، تم اعتماد آلية اتخاذ قرار تقوم على التوافق في مرحلة أولى وفي حالة استحالته يتم المرور إلى التصويت بأغلبية الثلثين إذا تعلق الأمر بالبروتوكولات وبالأغلبية البسيطة بالنسبة لمحتوى الاتفاقية8 

 

______________________________________________________________________________________________________________________________

 

فرصة ضائعة لتسريع التصدي للتدفقات المالية غير المشروعة 

نص الإطار المرجعي للاتفاقية على بروتكولين مبكرين تتم صياغتهما بالتزامن مع صياغة نص الاتفاقية، على أن يتناول موضوع البروتوكول الأول مسألة فرض ضرائب على الدخل المتأتي من تقديم الخدمات عبر الحدود في ظل اقتصاد يتسم بالمزيد من الرقمنة والعولمة، وبقي تحديد موضوع البروتكول المبكر الثاني من مهام الدورة التنظيمية9. 

خلال النقاش حول موضوع البروتكول الثاني، اقترحت مجموعة من البلدان النامية على غرار زامبيا، كينيا، الفيليبين وفيجي اعتماد موضوع التدفقات المالية غير المشروعة لهذا البروتكول10. تجدر الإشارة الى أن التدفقات المالية غير المشروعة كانت من بين المسائل الخلافية اثناء التفاوض حول الإطار المرجعي في السنة الفارطة، حيث تشبثت الولايات المتحدة الأمريكية بفكرة أن تعريفها يبقى غامضا وأن التجنب الضريبي باعتباره قانونيا لا يدخل في خانتها11، يأتي هذا التشبث على الرغم من أن التعريف الذي تعتمده الأمم المتحدة يصنف التجنب الضريبي كأحد اشكال التدفقات المالية غير المشروعة12 وعلى الرغم من الانعكاسات السلبية لهذه التدفقات على البلدان النامية والأفريقية خصوصا حيث تكلفها 3.7% من ناتجها المحلي الخام سنويا13. 

لتجاوز الخلاف حول هذه المسألة، دعت مجموعة أخرى من البلدان خلال الجلسة التنظيمية إلى أن يتعلق موضوع البروتكول الثاني بدرء المنازعات الضريبية وتسويتها، سيهدف هذا البروتكول الى العمل على تفادي النزاعات الضريبية بين الخاضعين للضريبة والسلطات وحلها بشكل فعال في حالة حدوثها. باعتبار أن هذه المسألة غير خلافية وتواجهها جميع البلدان الأعضاء، وأمام مساندة بلدان الاتحاد الأوروبي لهذا التوجه وعدم معارضة البلدان الأفريقية تم اعتماد هذا الموضوع للبروتكول الثاني بالتوافق. 

على الرغم من أهمية موضوع البروتكول، تبقى معضلة التدفقات المالية غير المشروعة في حاجة بشكل أهم إلى استعجال التصدي لها خاصة بالنسبة للقارة الأفريقية نظراً لتكلفتها المرتفعة عليها وربما كان من الأفضل للبلدان الأفريقية الدفاع عن اعتمادها بأكثر استماتة. 

 

 

______________________________________________________________________________________________________________________________

 

الولايات المتحدة الأمريكية تعمل ضد التعاون في المسائل الضريبية  

بعد ساعات معدودة من انطلاق اشغال الدورة التنظيمية صرح الوفد المفاوض عن الولايات المتحدة الأمريكية بمقاطعته لمسار المفاوضات حول الاتفاقية الأممية بحجة عدم توافقها مع الأولويات الاقتصادية لبلده، ودعى بقية البلدان الأعضاء إلى المقاطعة دون أن تستجيب أي منها لدعوته14. 

هذا القرار بالمقاطعة سبقه قرار الإدارة الأمريكية بالانسحاب أيضاً من الاتفاقية العالمية للتعاون الضريبي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الصادر في جانفي الماضي15 . هذه السياسة ما هي الا انعكاس لشعار "أمريكا أولا" الذي يرفعه الرئيس الأمريكي والتي تتسم بنزعة حمائية مبالغ فيها هدفها احتكار تحصيل الموارد الضريبية من الشركات متعددة الجنسيات وخرق قواعد المنافسة عبر توفير نظام ضريبي يخدم الشركات الأمريكية حصريا 

الانسحاب الأمريكي من اتفاقية التعاون الضريبي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يشكل خطرا على فاعليتها ويعزز توجه بقية بلدان العالم نحو اجراءات ضريبية أحادية من شأنها أن تؤدي إلى الازدواج الضريبي وخلق نظام ضريبي مجزأ16. لكنه يخلق في المقابل فرصة للاتفاقية الأممية للتعاون الضريبي لتكون بديلا أكثر نجاعة، قادرا على إعادة توزيع الموارد الضريبية بشكل عادل للدول والشركات على حد السواء وخلق اليات تحمي النظام الضريبي من النزعات الشوفينية الاقتصادية17 

خلاصة: 

على الرغم من عدم اعتماد الدورة التنظيمية لمقترحات المجموعة الأفريقية في مجملها إلا أنها ضمنت الحد الأدنى من ديمقراطية التفاوض حول الاتفاقية وبروتكولاتها في آلية اتخاذ القرار المٌعتمدة. يبقى اعتماد بروتكول مبكر حول التدفقات المالية غير المشروعة فرصة ضائعة لكنها قابلة للتدارك في نص الاتفاقية ذاتها أو من خلال البروتكولات اللاحقة.  

الاتفاقية الأممية للتعاون الضريبي هي فرصة تاريخية لحلحلة المعضلات المتعلقة بالضريبة في ظل الانظمة الاقتصادية المعولمة، وخطوة محفزة لمبادرات أخرى تسعى لخلق بدائل داخل الهيكلة المالية العالمية18. لضمان صياغة اتفاقية من شأنها الانتصار للمصالح الضريبية لبلدان الجنوب العالمي بشكل عام والأفريقية خصوصا، لا بد من مشاركة البلدان الأفريقية في المفاوضات بشكل فعال وذلك عبر تمثيلهم بمفاوضين لهم القدرات التقنية اللازمة للتفاوض وعدم الاكتفاء بالتمثيل الديبلوماسي.  

يمكن ضمان ذلك عبر توفير المزيد من الفرص لبناء القدرات حول القواعد الضريبية العالمية، على شاكلة اجتماعات اللجنة الفرعية المعنية بالضرائب والتدفقات المالية غير المشروعة. إضافة إلى تعزيز انخراط البلدان الأفريقية في منتدى إدارة الضرائب الأفريقية ATAF الذي من شأنه أن يوفر لهم بشكل دائم فرصا مهمة لبناء قدرات إداراتهم الجبائية من أجل التفاوض، ولفاعلية تطبيق مخرجات الاتفاقية وبروتكولاتها مستقبلا. بالنسبة لدول شمال افريقيا لم تنخرط كل من تونس وليبيا وموريتانيا بعد في المنتدى19 ومن المستحسن تدارك ذلك في القريب العاجل. 

7 فضيلة، سحر، "عبء الرجل الأبيض! دول الشمال تدفع نحو الحد من فاعلية الإطار الأممي للتعاون الدولي بشأن المسألة الضريبية" (المرصد التونسي للاقتصاد، 10 جوان 2025). 

8 Tax Justice Network Africa, “Updates from the Organizational Session of the Intergovernmental Negotiating Committee on the UN Framework Convention on International Tax Cooperation” (TJNA, Feburary 2025)

9 لجنة التفاوض الحكومية الدولية لصياغة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التعاون الدولي في المسائل الضريبية، "الإطار المرجعي من أجل ابرام اتفاقية إطارية للأمم المتحدة بشأن التعاون الدولي في المسائل الضريبية" (الأمم المتحدة، 16 جانفي 2025).