Block title
Block content

احتجاجات نقابات التعليم والتربية في تونس: إشارات إنذار لإصلاح عاجل

Block title
Block content

أعلنت نقابات التعليم والتربية عن وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر وزارة التربية يوم 25 ديسمبر 2025 للمطالبة بتفعيل الاتفاقيات وحماية المدرسة العمومية وكرامة المربين1. تأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة تحركات سابقة شملت إضرابات ووقفات احتجاجية منذ أوت 22025. دعت الجامعة العامة للتعليم الأساسي للمشاركة في هذه الاحتجاجات، بسبب انسداد الحوار مع الوزارة حسب ما صرحت، مطالبين بتحسين الأوضاع المادية للمعلمين وتسوية وضعياتهم، وتحسين البنية التحتية المدرسية المتدهورة واكتظاظ الأقسام والنقص الحاد في الموارد البشرية3. 

السؤال الذي يطرح: ما الذي يجعل الأزمة في قطاع التعليم الأساسي تعود الي الواجهة في كل مرّة؟  

____________________________________________________________________________________

 

تدني أجور المعلمين وانعكاسها على النفاذ الي الحق في التعليم: 

 تراجعت الوضعية المادية والمهنية للمعلمين، حيث أظهرت المؤشرات أن القيمة الحقيقية لأجور موظفي وزارة التربية تراجعت بنسبة 12.3% بين سنتي 2020 و2022 بسبب التضخم، ما أدى إلى تدهور مقدرتهم الشرائية بشكل ملموس. إذ لا يتجاوز متوسط الأجر الأساسي للعاملين في قطاع التعليم 778 ديناراً4، أي أقل من ضعف الحد الأدنى للأجور بحسب الإحصاءات الرسمية؛ أجور قطاع التعليم من بين الأقل مقارنة بالقطاعات الأخرى. هذه دلالات واضحة على تدني أجور المعلمين الذي يؤدي إلى تراجع المكانة الاجتماعية للمعلّم، ويخلق حالة من اللامساواة الاجتماعية يقع ضحيتها المعلم والتلميذ.   ونظرا لنقص التحفيز لدى الإطار التربوي، لجأ عدد من المدرّسين إلى حلول بديلة لتحسين مداخيلهم أو إلى مغادرة القطاع العمومي نهائيًا والتوجّه نحو القطاع الخاص، حيث شهدت المعاهد والمدارس الخاصة ارتفاعًا كبيرًا. وقد أثّر هذا الوضع سلبًا على المنظومة التربوية وجودة التعليم ومستوى التلاميذ، كما ساهم في تعميق مظاهر التمييز بينهم، مما يهدّد التعليم العمومي والحق في التعليم للجميع كما ينص عليه الدستور التونسي، ويجعل التعليم الجيد حكرًا على الفئات القادرة على تحمّل تكاليفه. 

____________________________________________________________________________________

 

الاكتظاظ كعائق أمام التعلم الفعّال:  

تشكل الفصول المكتظة تحديات حقيقية تعيق توفير تعليم ملائم للتلاميذ5،. يعود هذا الاكتظاظ إلى تراجع أعداد المعلمين في التعليم الابتدائي بين عامي 2016 و2019، تزامنًا مع قرض صندوق النقد الدولي الذي اشترط اصلاح الوظيفة العمومية والتحكم في كتلة الأجور،6 بينما عدد التلاميذ لا يزال يتواصل في الارتفاعكما تعتمد 444 مدرسة (9.7٪) من إجمالي 4577 مدرسة ابتدائية على نظام الفرق7، ما يزيد الضغط على المعلمين المتاحين ويؤدي إلى اكتظاظ الفصول. الفصول المكتظة تحدّ من قدرة المعلّم على تقديم تعليم يستجيب لاحتياجات كل تلميذ، وتخلق بيئة دراسية لا تشجع على التحصيل العلمي. قد تساهم هذه الوضعية في بلوغ نسبة الانقطاع المدرسي على المستوى الوطني 4% خلال السنة الدراسية2021\2022، حيث تم تسجيل 91.222 تلميذًا منقطعا عن الدراسة.  تسلّط هذه الأرقام الضوء على الحاجة الملحّة لمعالجة مشكلة الانقطاع المدرسي وتحسين الظروف التعليمية وجودته لضمان استمرار جميع التلاميذ في الدراسة دون تمييز. 

تداعيات هذه الاختلالات تتجلى كذلك في المساهمة في تراجع جودة التعليم، إذ تحتل تونس المرتبة 65 من بين 70 دولة في مؤشر جودة التعليم لسنة 2016، كما أظهرت نتائج التلاميذ في اختبارات PISA تأخراً مقلقاً يقارب ثلاث سنوات عن المعدل الدولي في سن الخامسة عشرة.8 

____________________________________________________________________________________

 

نقص تمويل التعليم وأثره على تراجع العملية التربوية 

بالنظر إلى الموارد المالية المخصصة للإنفاق على التعليم من ميزانية الحكومة، لم تتجاوز نفقات وزارة التربية 13.7% من مجموع نفقات الدولة في قانون المالية لسنة 2026، أي أقل من الحد الأدنى المرجعي العالمي الذي حددته اليونسكو بين 15 و20%. يعد ذلك ارتفاعا في ميزانية وزارة التربية بنسبة 8.2% مقارنة بسنة 2025 خصصت هذه الزيادة بحسب قانون المالية لمعالجة مسألة انتداب المعلمين النواب. من ناحية أخرى، يظل هذا التطور ضعيفًا وغير كافٍ، حيث بلغ متوسط نمو النفقات الحقيقية خلال الخمس سنوات الأخيرة 1.9% فقط بعد خمس سنوات من تراجعها بمعدل 2.6%-، ما يعكس تأثير التطور ضعيفًا على الموارد المخصصة للتربية. كما انخفضت حصة الاستثمار في التربية من إجمالي نفقات الاستثمار إلى 7.4% سنة 2026 مقابل 12.4% سنة 20249، مما سينعكس في غياب مشاريع صيانة أو بناءات جديدة، لا سيما في المدارس الابتدائية التي تعتمد على منح سنوية محدودة لا تتجاوز 150 دينارًا10. في المقابل، تستنزف خدمة الدين العام من الموازنة السنوية ما يعادل ثلاثة أضعاف ما يُنفق على التربية11، ما يقلص قدرة الدولة على تخصيص موارد لتأهيل المدارس وتحسين ظروف العمل. 

من خلال ما سبق، يوصي المرصد التونسي للاقتصاد بضرورة إعطاء الأولوية للاستثمار العمومي في تحسين البنية التحتية الصحية في المدارس الابتدائية للتلاميذ والأساتذة، والإسراع في إعادة تقييم أجور المعلمين بما يليق بالمكانة الاجتماعية للمعلّم وينعكس في تحسين وضعه المادّي لضمان الحق في التعليم وجودته وتقليص الفجوة الكبيرة بين أجور المعلمين مقارنة وبقية الأجور في القطاعات والوزارات الأخرى. كذلك تقليص الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية ضروري، إذ قد تؤثّر الفصول المكتظة سلبًا على جودة التعليم، وتحدُّ من قدرة المعلّم على تقديم تعليم يلبّي احتياجات كل تلميذ على حِدة. كما يشدد المرصد على أولوية إلغاء نظام الفِرَق الذي يخرق مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين التلاميذ، وعلى ضرورة عمل الحكومة لإعادة الاعتبار لأهمية ومركزية التعليم العمومي في أولوياتها على مستوى المخطط الخماسي للتنمية وعلى مستوى قوانين المالية من خلال ما تخصصه من موارد مالية لمهمة التربية بناء على إستراتيجية وطنية تشاركية لإصلاح التعليم يشارك فيها المعلمين وكافة الأطراف المتدخلة في القطاع.  

 

1 ديوان فم، " نقابات التعليم والتربية تقرر تنفيذ وقفة احتجاجية يوم 25 ديسمبر أمام مقر وزارة التربية"، (ديوان فم: 15 ديسمبر 2025)، Radio Tunisie | Sfax - Radio Diwan FM - نقابات التعليم والتربية تقرر تنفيذ وقفة احتجاجية يوم 25 ديسمبر أمام مقر وزارة التربية، (تاريخ الوصول 22 ديسمبر 2025). 

2 كشف ميديا، "استعدادا لاحتجاج 28 أوت وإضراب يوم 7 أكتوبرنقابات الأساسي والثانوي بتونس الكبرى تقرّ تعبئة هياكلها"، (كشف ميديا: 25 جويلية 2025)، استعدادا لاحتجاج 28 أوت وإضراب يوم 7 أكتوبر: نقابات الأساسي والثانوي بتونس الكبرى تقرّ تعبئة هياكلها - Kashf Media ، (تاريخ الوصول  23  سبتمبر 2025). 

3 ديوان فم، " نقابات التعليم والتربية تقرر تنفيذ وقفة احتجاجية يوم 25 ديسمبر أمام مقر وزارة التربية"، (ديوان فم: 15 ديسمبر 2025)، Radio Tunisie | Sfax - Radio Diwan FM - نقابات التعليم والتربية تقرر تنفيذ وقفة احتجاجية يوم 25 ديسمبر أمام مقر وزارة التربية، (تاريخ الوصول 22 ديسمبر 2025). 

4 المرصد التونسي للاقتصاد، من الطبقة الوسطى الي الهامش : الانحدار في الواقع الاقتصادي للمعلم ، (الرمصد التونسي للاقتصاد: 08 ماي 2025من الطبقة الوسطى إلى الهامش : الانحدار في الواقع الاقتصادي للمعلم يعكس الأجر المتدني للمعلم نوعا من التمييز | المرصد التونسي للاقتصاد (تاريخ الوصول  23  سبتمبر 2025) 

5 محمد علي الكردي، نورة العجيمي، ايمان سعادة. دراسة حالة: ولاية القصرين اللامساواة المكانية وانتهاك الحق في التعليم | المرصد التونسي للاقتصاد  (تونس: المرصد التونسي للاقتصاد، 2025 )، 20. 

6 محمد علي الكردي، نورة العجيمي، ايمان سعادة. دراسة حالة: ولاية القصرين اللامساواة المكانية وانتهاك الحق في التعليم | المرصد التونسي للاقتصاد  (تونس: المرصد التونسي للاقتصاد، 2025 )، 55. 

 7 وزارة التربية، الاحصاء المدرسي للسنة الدراسية 2023/2024 

8محمد علي الكردي، نورة اللجمي، ايمان سعادة. دراسة حالة: ولاية القصرين اللامساواة المكانية وانتهاك الحق في التعليم | المرصد التونسي للاقتصاد  (تونس: المرصد التونسي للاقتصاد، 2025)، 42. 

9 المرصد التونسي للاقتصاد، " مشروع قانون المالية 2026​: أي مكانة للحق في التعليم والمدرسة العمومية؟", (المرصد التونسي للاقتصاد: 20 نوفمبر2025)، مشروع قانون المالية 2026​: أي مكانة للحق في التعليم والمدرسة العمومية ؟ | المرصد التونسي للاقتصاد، (تاريخ الوصول 22 ديسمبر 2025). 

10 المرصد التونسي للاقتصاد، "البنية التحتية المهترئة، وجه من أوجه أزمة المدرسة العمومية"، (المرصد التونسي للاقتصاد: 12 ماي 2025 )، البنية التحتية المهترئة: وجه من أوجه أزمة المدرسة العمومية | المرصد التونسي للاقتصاد، (تاريخ الوصول 23  سبتمبر 2025). 

11 المرصد التونسي للاقتصاد، "لم تعد مهمة التربية من أولويات السياسات العمومية وتعاني اليوم من التقشف و انعدام الاستثمار"، (المرصد التونسي للاقتصاد: 16 أفريل 2025)، لم تعد مهمة التربية من أولويات السياسات العمومية و تعاني اليوم من التقشف و انعدام الاستثمار | المرصد التونسي للاقتصاد، (تاريخ الوصول 23 سبتمبر 2025).