27 نوفمبر 2025 - Sahar Fdhila - 2صفحة
أسقطت لجنة المالية بمجلس نواب الشعب الفصل 50 من مشروع قانون المالية لسنة 2026 المتعلق بتوسيع مجال تطبيق الضريبة على الثروة، وهو أحد الفصول الخلافية بين لجنتي المالية بكل من مجلس نواب الشعب ومجلس الجهات والأقاليم1.
جاء هذا المقترح بمشروع قانون المالية لتوسيع نطاق الضريبة على الثروة العقارية التي تم اقرارها في قانون المالية 2023 والتي يقتصر توظيفها على المكاسب العقارية التي تساوي أو تفوق قيمتها التجارية الحقيقية 3 مليون دينار، وتقدر نسبة هذه الضريبة ب 0.5%. يستثنى من هذا التعديل المسكن الرئيسي والعقارات المخصصة للاستعمال المهني. يسعى الفصل 50 لتوسيع قاعدة الضريبة على الثروة لتشمل كلا من العقارات والأصول التجارية والمنقولات المكتسبة كما يتوجه نحو دفع تصاعديتها عبر خلق شريحتين بنسبتين مختلفتين حسب قيمة المكاسب: 0.5% بالنسبة للمكاسب التي تتراوح قيمتها بين 3 مليون دينار و5 مليون دينار، و1% للمكاسب التي تفوق قيمتها 5 مليون دينار2.
____________________________________________________________________________________________________
اختلال توزيع الثروة في تونس
سبق "للمرصد التونسي للاقتصاد" و"مركز علي بن غذاهم للعدالة الجبائية" الدعوة إلى تعزيز تصاعدية الضريبة على الثروة وتوسيع مجال تطبيقها لتحقق مردودية فعلية والحد من التوزيع المختل للثروة3. حيث أن 10% من المواطنين الأكثر ثراء في تونس يملكون 58% من إجمالي الثروة، و1% فقط من هؤلاء يستحوذون على 24.1% منها، في حين لا يملك 50% من المواطنين سوى 4.9% منها4 . تشهد هذه اللامساواة في الثروة نسقا متسارعا على مستوى العالم، فوفقًا لتقرير مجموعة العشرين الصادر عن آخر لجنة استثنائية للخبراء المستقلين حول اللامساواة العالمية، ازدادت الفجوة في توزيع الثروة بشكل حاد خلال العقود الأخيرة، مدفوعةً أساسا بتراكم الثروات الموروثة وتفاوت الفرص.5
أمام هذا التركز غير المتوازن للثروة، يصبح اعتماد ضريبة تصاعدية على الثروة أداة فعالة لإعادة التوزيع العادل والحد من الفوارق الاجتماعية عبر خلق حيز مالي للمساهمة في تمويل القطاعات الاجتماعية.
الضريبة على الثروة خطوة في مسار العدالة الجبائية
تجدر الإشارة الى أنه على الرغم من اعتماد المزيد من الشرائح بسلم الضريبة على دخل الأفراد بقانون المالية 2025 تبقى التصاعدية الفعلية للضريبة على الدخل في تونس منقوصة، حيث تستفيد الضريبة على مداخيل رأس المال من عدة امتيازات وإعفاءات تطال مختلف مصادر الدخل، مما يقلّص أكثر من مساهمتها في الإيرادات الجبائية. ويشير تقرير البنك الدولي لسنة 2024 حول عدالة وفاعلية النظام الجبائي التونسي الى أن تونس تمتلك أعلى فرق بين معدلات الضريبة على دخل العمل والضريبة على دخل رأس المال بين الدول النامية6.
هذا التباين يساهم في تعميق تركز الثروة، إذ يسمح للفئات الأعلى دخلاً بتحويل جزء كبير من مواردهم إلى أرباح رأسمالية منخفضة الضريبة، مما يقلّص مساهمتهم الضريبية الحقيقية ويُحمل العبء الضريبي أساساً على أجور الطبقات المتوسطة. يصبح إذا إقرار ضريبة على الثروة ذات مجال أشمل ضرورة لتوسيع القاعدة الضريبية، وضمان مساهمة الفئات الأكثر ثراءً بما يتناسب مع قدرتها الحقيقية على الدفع.
____________________________________________________________________________________________________
الضريبة على الثروة كأداة لتحفيز الاستثمار المنتج
ايضا، على عكس السردية السائدة حول إمكانية إحباط الضريبة على الثروة للاستثمار، فإنها في الحقيقة قادرة على دفع الأفراد الأكثر ثراءً إلى إعادة توجيه أصولهم نحو استثمارات ذات مردودية أعلى. حيث إنها ستُطبق بشكل عام على المكتسبات الإنتاجية وغير الإنتاجية، مما قد يحفز المعنين بها الى توجيه استثماراتهم نحو أصول إنتاجية ذات عائد أعلى بدلاً من الاحتفاظ بأصول خاملة أو منخفضة العائد، مما يعزز الاقتصاد ويعود بالنفع على كافة الأفراد7.
يتوجه مشروع قانون المالية لتعزيز الضريبة على الثروة عبر توسيع وعائها والدفع نحو المزيد من التصاعدية وهي خطوة ايجابية نحو العدالة الجبائية وبالإمكان مزيد تدعيمها عبر اضافة المزيد من الشرائح لقيمة المكاسب الخاضعة للضريبة.
على سبيل المقارنة تعتمد كل من الجزائر واسبانيا وسويسرا نسبا أكثر تصاعدية، فإسبانيا تفرض ضريبة ثروة تصاعدية تتراوح نسبها بين 0.2% و3.5%، بينما تطبّق سويسرا نسبًا تتراوح عادة بين 0.3% و1% على وعاء ضريبي واسع يشمل جميع الأصول الصافية. أما الجزائر، فتعتمد شرائح تتدرج من 0.5% على الثروات التي تفوق 100 مليون دينار جزائري إلى 1.5% على الثروات التي تتجاوز 450 مليون دينار جزائري8. هذه المستويات من التصاعدية تمكّن من تحصيل جزء أكبر من التركّز الشديد للثروة وتعزيز العدالة الجبائية.
في الصياغة المقترحة للفصل 50 يتم الاعفاء الكامل للسكن الرئيسي من الضريبة على الثروة مما يحد من القدرة التوزيعية لها. بالإمكان دائما تسقيف هذا الإعفاء الي حد معين من قيمة العقار، في شكل يشابه التسقيف الذي يتم اعتماده للضريبة على الثروة العقارية في مختلف البلدان التي تطبق هذه الضريبة.
أمام استمرار عجز الميزانية وضيق الحيز المالي لتمويل القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم والنقل بالإضافة الى اختلال توزيع العبء الجبائي الذي يضغط على الشرائح الأكثر فقرا من خلال الضريبة على دخل العمل والضرائب غير المباشرة، لا بد من مساندة محاولات اعادة التوزيع العادل لهذا العبء وتعزيز الموارد الذاتية للميزانية.
ولا تزال أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه الفرصة خلال الجلسات العامة لتعزيز فاعلية وتصاعدية الضريبة على الثروة. في المقابل يجب على وزارة المالية تقديم دراسة جدوى في الغرض لتحديد المردودية المنتظرة من هذا الإجراء.
2 مشروع قانون عدد 2025/114 يتعلّق بقانون المالية لسنة 2026
3 قانون المالية 2025: أي أُفق للعدالة الجبائية؟ | المرصد التونسي للاقتصاد
4 Tunisia - WID - World Inequality Database
5 -G20-Global-Inequality-Report-Full-and-Summary.pdf
Tunisia Economic Monitor : Equity and Efficiency of Tunisia Tax System - Fall 2024 6

