في ظل استمرار التفاوت الجهوي في تونس، لا تزال ولاية القصرين تعاني من مظاهر تهميش ممنهجة تُجسدها المؤشرات التنموية والاجتماعية، حيث تُعدّ من أقل الولايات من حيث مؤشر التنمية الجهوية منذ سنة 2012 وحتى سنة 2021، وتُسجل أعلى معدلات الفقر بنسبة 33.6% وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء لسنة 2020، إلى جانب نسبة بطالة مرتفعة بلغت 23%، أي بفارق هام عن المعدل الوطني. هذا التهميش المتراكم يُترجم ميدانيًا في وضعية المدرسة العمومية التي تشهد هشاشة متفاقمة، سواء على مستوى البنية التحتية المهترئة، أو النقص في الإطار التربوي، أو محدودية وسائل النقل المدرسي، أو انعدام تكافؤ الفرص في النفاذ إلى تعليم جيد وآمن، خاصة في المناطق الريفية النائية.
وقد كشف الحادث الأليم ليوم 15 أفريل 2025، والذي أسفر عن وفاة تلميذ في السنة السادسة ابتدائي وإصابة أربعة آخرين نتيجة انقلاب وسيلة نقل مدرسية غير مهيّأة بمنطقة حاسي الفريد، عن عمق الأزمة وانعدام الحد الأدنى من الخدمات التعليمية الأساسية بالجهة، كما أعاد هذا الحادث تسليط الضوء على الخطر اليومي الذي يعيشه أطفال القصرين فقط من أجل الالتحاق بمقاعد الدراسة.
حيث تفتقر هذه المدارس إلى الحد الأدنى من المقومات الأساسية مثل الفصول الدراسية المهيئة، دورات المياه، فضلاً عن نقص الوسائل التعليمية والتجهيزات الضرورية الي جانب ضعف شبكة النقل المدرسي في المنطقة يشكل عائقًا كبيرًا أمام الأطفال، خاصة في المناطق الجبلية والريفية، مما يزيد من تعقيد عملية التحاق التلاميذ بالمدارس.
في المقابل، أعلنت الحكومة التونسية عند الانطلاق في العمل على المخطط التنموي للفترة 2026–2030 يشارك فيه المجالس المحلية والجهوية ومجالس الأقاليم، معتبرة إياها فرصة لإعادة توجيه السياسات نحو تدارك الفوارق التنموية بين الجهات. غير أن هذا الإعلان الرسمي يصطدم بالواقع اليومي لمؤسسات تربوية في القصرين ما زالت تعاني من غياب رؤية إصلاحية جهوية تشاركية، ومن غياب آليات فعلية لإدماج الفاعلين المحليين من نقابات، ومجتمع مدني، وأولياء، ومجالس بلدية، وإعلام في صياغة الأولويات التربوية وضمان التوزيع العادل للموارد والإمكانيات.
بالتوازي، لا تزال الأطراف المتدخلة من معلمين وأولياء وفاعلين على المستوى الجهوي ضعيفة الحضور في النقاشات الوطنية، كما أنّ التنسيق بين مختلف الفاعلين المحليين محدود، مما يحول دون بناء جبهة موحدة قادرة على الدفاع عن الحق في تعليم عمومي، مجاني، عادل وآمن، يرتكز على العدالة الجهوية والمشاركة المجتمعية الفعالة وتقليص الفوارق الجهويّة.
في هذا الإطار، ينظّم المرصد التونسي للاقتصاد ندوة حوارية بولاية القصرين، تهدف إلى:
-
* تسليط الضوء على الفجوات الهيكلية في المنظومة التعليمية بالجهة من خلال تقديم دراسة حالة بعنوان: "ولاية القصرين: اللامساواة المكانية وانتهاك الحق في التعليم"؛
-
* فتح فضاء للنقاش بين مختلف الفاعلين المحليين من نقابات، جمعيات، أولياء، إعلاميين، مجالس محلية، وشباب؛
-
* دعم بناء ائتلاف محلي موحد من أجل الدفاع الجماعي عن المدرسة العمومية وحق أطفال القصرين في تعليم عادل؛
-
* الدفع نحو إدماج القضايا التربوية الجهوية في صلب المخطط التنموي 2026–2030.
-